كان علينا أن ننتظر بضعة دقائق على بدء حفل: "أم كلثوم بأصواتهن"، الذي اختتم به مهرجان العالم العربي في مونتريال فعاليات نسخته العشرين، لكي يصل إلينا جزء كبير من إحساس كوكب الشرق وتميّزها وتفرّدها. نساء ثلاث بأصواتهن المختلفة وخاصية الأداء لكل واحدة منهن حقّقن الانسجام والتناغم والتركيز المحترف فيما بينهن الذي بلغ ذروته في أغنية ألف ليلة وليلة الختامية. فرح عارم، صفاء وتسليم كلّي سيطر على الحضور الذي قضى ليلة من العمر على وقع حفل غير مسبوق وقّعه أيضا وأيضا "صانع الأحلام" مؤسس مهرجان العالم العربي ومديره الفني جوزف نخلة. الصورة بألف كلمة وتدّل على تمازج وانسياب ورقة عند من أحيين صوت أم كلثوم في مهرجان العالم العربي في مونتريال، فريدة محمد علي إلى يسار الصورة وياسمين علي وعبير النصراوي/حقوق الصورة: مهرجان العالم العربي:Idriss Mestiri وتجوز التسمية لهذا الأخير لأنه نجح على مدار 20 عاما في إدخالنا إلى عالم الحلم والخيال، ذلك العالم المزدان بأثواب شرقية فضفاضة وبإشراقات عابقة تحاور مجدا وعزّا وتجلّيا عربيا غابرا... أعاد جوزف نخلة تطريز البرواز الفني العربي ليقدّمه بأبهى حلّة في مهرجانه فيستسيغه ليس أهل الضاد فحسب بل إنما أيضا الكنديون الذين كانوا بالأمس يجهلون الكثير عن التراث والثقافة والموسيقى العربية. على مدى عشرين عاما نجح جوزف نخلة في عروضه المبتكرة الجريئة في كسر الحد الفاصل بين الشرق والغرب وساهم عبر ابداعاته في إدخال منظومة مسرح جديد مختلف بشموليته وعالميته وفرادته. استطاع جوزف نخلة أن يوّحد جمهورا مختلف الأهواء والمشارب وثقتي كبيرة بأن مهرجان العالم العربي سيكون في سنواته المقبلة قادرا على مخاطبة شريحة أكبر من جمهور غير متجانس في حفلاته وسيصل إلى هذا الجمهور الاحساس كاملا وكأنه يسمع صدى لتراثه وثقافته وموسيقاه هو وليس تراث وثقافة وموسيقى العالم العربي فحسب. في عودة إلى الحفل الختامي للنسخة العشرين للمهرجان على مسرح ميزونوف في ساحة الفنون بلاس دي آر في وسط مونتريال في 17 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قدّمت كلّ من سيدة المقام العراقي الفنانة فريدة محمد علي والنجمة المصرية الشابة ياسمين علي والإعلامية والفنانة التونسية عبير النصراوي مجموعة من أغنيات كوكب الشرق. وقد أجادت كل واحدة منهن على طريقتها ونجحن في السلطنة وإطراب الجمهور وإدخاله في حالة من السكر والنشوة في مطارح عديدة خلال الحفل. قدمت كل واحدة من نجمات الحفل صوت "ثومة" بأداء ونكهة وطعم مختلف وهن لم يتشابهن أبدا في أصواتهن ولا في احساسهن وبلغ صدقهن وعفويتهن وسلاسة وعذوبة أصواتهن أقصاه لدرجة أن هذا الثالوث أشعر الحضور بأنه يشاهد ثلاث حفلات وليس حفلا واحدا وفي الوقت ذاته يتلاقى هذا الثالوث ويتمازج ويتزاوج من دون كلفة أو عناء. سيدة المقام العراقي التي اقتحمت عالم الغناء المحرّم على النساء الفنانة فريدة محمد علي تحاورها كوليت ضرغام/Antsar Hlil Al-Nassiry سيدة المقام العراقي فريدة محمد علي جازفت وغّنت لأول مرة أم كلثوم بجدارة وهي لم تُخف حين قابلتها أنها كانت خائفة الا تنجح في هذه التجربة ولكن "ثقتها العمياء بجوزف نخلة، سيّما وأن مهرجانه استضافها أكثر من مرة على مسارحه بتختها الموسيقي وريبرتوارها، حملتها على التسليم له وخوض التجربة، وهي غير نادمة إطلاقا. ...