لا أحد يتوّقع أن تستّمر شعبية أغنية الفنان الرومانسي الحالم عبد الحليم حافظ بعد أكثر من 40 عاما على رحيله والتهام العصر الرقمي للزمن الماضي الجميل. في مهرجان العالم العربي في مونتريال مجازفة جريئة اقترحها المدير الفني جوزف نخلة "رومانسية على الطريقة العربية" وسهرة طربية سيطرت فيها روح العندليب الأسمر الذي بعث حيا في تلك الليلة بصوت النجم التونسي الفنان محمد جبالي ترافقه على المسرح الفنانة ليلى كوشي من مونتريال. علما أن هذه الأخيرة تسقط لقب الفنانة وتعتبر أن الغناء هواية ليس إلا كما أكدت لي في مقابلتي معها، علما أنها ناشطة على الساحة الفنية والاجتماعية في المدينة الكوسموبوليتية. عن خيار الاغنيات تقول ليلي كوشي إنه لم يكن اختيارا اعتباطيا وتم الحرص على تقديم ريبرتوار غير مستهلك للعندليب الأسمر. مقابلة خاطفة أجريتها مع الفنانة ليلى كوشي إثر انتهاء الحفل وأكدت محدثتي أنها راضية تماما عن أدائها تلك الليلة على مسرح الصالة الخامسة في ساحة الفنون العريقة بلاس دي آر في وسط مونتريال وإن شكّل أداء النوتات الصعبة لصوت لم يتكرر في تاريخ الاغنية العربية تحديا كبيرا بالنسبة إليها. أما الاكتشاف الحقيقي بالنسبة لجمهور مهرجان العالم العربي الذي ملأ كل مقاعد صالة المسرح تقريبا تلك الليلة وبلغ تفاعله مع الحفل ذروته، فكان الفنان التونسي محمد جبالي الذي استطاع أن يعيد الينا عبد الحليم حافظ "بشحمه ولحمه " وللحظات كثيرة خلال الحفل خيّل إلينا أن الأسمر بعث حيا من جديد على مسرح مهرجان العالم العربي. الأجمل كان ترداد الحضور لكل أغنيات العندليب التي لا زال يحفظها عن ظهر قلب مما يؤكد أن العصر الرقمي لا يقوى على الأصالة والإبداع والتفرّد والتميّز وإن مرّ عليه الزمن. يجذبك رقيه وتواضعه واحترامه لفنه، إنه الفنان محمد جبالي الذي وقعت بعشق صوته من الاستماع الأول! أعاد حفل الرومانسية على الطريقة العربية الثقة إلى كل من يشكك بخلود الاغنية القديمة الغابرة التي ولدت في بيئة مختلفة، "الصعب الممتنع" عنوانها الأول، في تلك الأزمنة لم يكن هناك وسائل تواصل ولا عولمة ولا انترنيت ولا من يحزنون...وكان يجني الفنان شهرته بالكدّ والجهد والتعب والمثابرة على تقديم الجيد غير المبتذل الذي يحترم الجمهور ولا يستهين برفعة ذوقه وقدرة استساغته للفن الأصيل والحقيقي. يقول لي محمد جبالي إن الغناء الصادق وحده يصل إلى الجمهور وعلى الفنان أن يبحث دوما عن جديد يتعلّمه ليصقل موهبته. محمد جبالي لا يقدم الأغنية الطربية لعمالقة الغناء العربي التي "يصعب اقناع الجمهور بها" فحسب بل في رصيده أيضا 9 البومات خاصة. https://www.youtube.com/watch?v=BI6ujfXY8Ls فخر محمد جبالي أنه يتنقل بكل سهولة ومرونة بين ريبرتواره الخاص وريبرتوار العمالقة وجمهوره ينتشي لصوته في الحالتين. في هذا الإطار يقول لي ضيفي إ"ن على الفنان أن يكون شموليا والا يختص بلون غنائي واحد". وعندما نقلت إلى محمد جبالي انتقاد البعض له بأنه لا يملك احساس عبد الحليم حافظ أجابني محدثي: أنا ضد التقليد وأحّب أن أغنّي بإحساسي أنا وليس بإحساس العندليب. علما أنه في لحظة من الحفل أجاد محمد جبالي المحترف للتمثيل أيضا تجسيد جحوظ عيني العندليب الأسمر وحركات يديه وذوبانه بالكلمة والنغمة وشدة الاحساس المفرط لدرجة صدقنا فعلا أنه العندليب. تاليا ...